من هو قتيل القرآن
علي بن الفضيل بن عياض، شاب له قصة غريبة على مسامعنا،
قال أبو بكر بن عياش: صليت خلف الفضيل بن عياض صلاة المغرب، وإلى جانبي علي ابنه
فقرأ الفضيل: {ألهاكم التكاثر}
فلما بلغ {لترون الجحيم} سقط علي على وجهه مغشيا عليه، وبقي الفضيل
لا يقدر يجاوز الآية، ثم صلى بنا صلاة خائف، قال: ثم رابطت عند علي فما أفاق إلا في نصف الليل
وقال أبوه الفضيل: أشرفت ليلة على علي، وهو في صحن الدار يقول: النار.. النار.. متى الخلاص من النار؟!
وقال: يا أبت، سل الذي وهبني إليك في الدنيا أن يهبني لك في الآخرة، قال أبوه: ولم يزل منكسر القلب حزينا
ثم بكى (أي الفضيل) وقال: كان يساعدني على الحزن والبكاء، يا ثمرة قلبي
شكر الله لك ما قد علمه فيك، قال محمد بن ناجية: صليت خلف الفضيل، فقرأ (الحاقة)
في الصبح، فلما بلغ إلى قوله: {خذوه فغلوه}
غلبه البكاء، فسقط ابنه علي مغشيا عليه، أعرفتم يا شباب بأي شيء اشتهر علي بن الفضيل
لم يشتهر بحرافته في الفن أو الرياضة
بل بشدة خوفه وغشيته عن سماع القرآن، حتى اشتهر(( بقتيـــل القـــــــــــــرآن)) وكان قتيلا للقرآن فعلا
فقد قال الخطيب: مات علي قبل أبيه بمدة من آية سمعها تقرأ، فغشي عليه وتوفي في الحال
قال إبراهيم بن بشار: الآية التي مات فيها علي بن الفضيل في الأنعام.......
{ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين ".
أعلمي رحمك الله أن المقصود من تلاوة القرآن ليس مجرد التلاوة وتحريك اللسان بدون فهم أو بيان، فكم
يوقظ القرآن ضمائرنا ولا تستيقظ، وكم يحذرنا ونظل نلهو ونلعب
قال تعالى: {ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون}
قال الشوكاني: قيل: (الأماني: التلاوة) أي: لا علم لهم إلا مجرد التلاوة دون تفهم وتدبر، وقال ابن القيم:
ذم الله المحرفين لكتابه والأميين الذين لا يعلمون منه إلا مجرد التلاوة وهي الأماني، ولما راجع عبدالله
بن عمرو بن العاص النبي صلى الله عليه وسلم في قراءة القرآن لم يأذن له في أقل من ثلاث ليال وقال:
(لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث) فدل على أن فقه القرآن وفهمه هو المقصود بتلاوته لا مجرد التلاوة،
وروى حذيفة رضي الله عنه أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فكان يقرأ مسترسلا إذا مر
بآية فيها تسبيح سبح وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ، فهذا تطبيق نبوي عملي للتدبر ظهر
أثره بالتسبيح والسؤال والتعوذ. وفي قوله تعالى: {الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته}
قال ابن مسعود رضي الله عنه: والذي نفسي بيده إن حق تلاوته أن يحل حلاله ويحرم حرامه..
وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: كان الفاضل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في
صدر هذه الأمة لا يحفظ من القرآن إلا السورة ونحوها ورزقوا العمل بالقرآن، وإن آخر هذه
الأمة يقرؤون القرآن منهم الصبي والأعمى ولا يرزقون العمل به، وفي هذا المعنى قال ابن مسعود:
(إنا صعب علينا حفظ ألفاظ القرآن، وسهل علينا العمل به، وإن من بعدنا يسهل عليهم حفظ القرآن ويصعب عليهم العمل به)
ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم لا يتجاوزون عشر آيات حتى يعلموا ما فيهن من العلم والعمل، كما نقل أبو عبدالرحمن
السلمي عن عثمان وابن مسعود وأبي بن كعب رضي الله عنهم
(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرئهم العشر فلا يتجاوزها إلى عشر أخرى
حتى يتعلموا ما فيها من العمل، فتعلمنا القرآن والعمل جميعا)، وهذا يدل على أن الصحابة
رضي الله عنهم كانوا يتعلمون منه التفسير مع التلاوة، فيبين لأصحابه معاني القرآن كما بين
لهم ألفاظه: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم}
فكان البيان منه بالألفاظ والمعاني، فلم لا نعتني بالمعاني ليخالط القرآن اللحم والدم
ويستنير القلب، وينشرح الصدر ونذوق حلاوة التلاوة، فحقيقة التلاوة، إنما هي بالتأمل والتدبر عند القراءة:
{أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها} والله تعالى يقول: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته}
و إليكــــــــــم ثماني خطــــوات تعين على تدبر القرآن الكريم وهي:
- مراعاة آداب التلاوة من طهارة ومكان وزمان وإخلاص وبسملة.
- محاولة تفريغ النفس من شواغلها، وحصر الفكر مع القرآن والخشوع والتأثر، والشعور بأن القرآن يخاطبه.
- التلاوة بتأن وتدبر وانفعال وخشوع، وألا يكون همه نهاية السورة، بل الوقوف أمام الآية التي يقرؤها وقفة متأنية فاحصة مكررة.
- النظرة التفصيلية في سياق الآية: تركيبها، معناها، نزولها، غريبها، دلالاته.
- العودة إلى فهم السلف للآية وتدبرهم لها وتعاملهم معه.
- ملاحظة البعد الواقعي للآية، حيث يجعل من الآية منطلقا لعلاج حياته وواقعه.
- الثقة المطلقة بالنص القرآني، وإخضاع الواقع المخالف له، مع الاستعانة بالمعارف والثقافات الحديثة لفهم أوسع.
- القراءة في الكتب المتخصصة في أصول التفسير وقواعده.